28 Feb
28Feb

يُعدُّ سوق الأسهم من أكثر الأسواق المالية جذبًا للمستثمرين حول العالم، سواء كانوا أفرادًا أو مؤسسات. ومع تطور هذا السوق، ظهرت العديد من المسائل الفقهية التي تحتاج إلى تأصيل شرعي، ومن بين هذه المسائل: حكم بيع الأسهم قبل استلامها.

تعتبر هذه المسألة محطّ خلاف بين الفقهاء القدامى والمعاصرين، حيث ارتبطت بأحكام القبض في العقود المالية، وهو ما أدى إلى تنوع الآراء بين المجيزين والمانعين. في هذا المقال، سنستعرض أقوال الفقهاء وآراء المجامع الفقهية حول هذا الحكم، وسنناقش مدى توافقه مع الشريعة الإسلامية.


أولًا: تعريف بيع الأسهم قبل استلامها

قبل الخوض في الحكم الشرعي، لا بد من التعرف على مفهوم بيع الأسهم قبل استلامها، والذي يعني قيام المستثمر ببيع أسهم اشتراها حديثًا، دون أن تتم عملية تحويلها إلى حسابه أو أن يستلمها بشكل فعلي.عادةً، يحدث هذا البيع في الأسواق المالية الحديثة تحت نظام التداول اليومي أو المضاربة السريعة، حيث يشتري المتداول الأسهم ثم يبيعها بسرعة قبل أن يتم تسجيلها رسميًا في حسابه.


ثانيًا: الحكم الشرعي لبيع الأسهم قبل استلامها

1. رأي المانعين (عدم الجواز)

يرى جمهور الفقهاء أن بيع الأسهم قبل استلامها لا يجوز شرعًا، وذلك استنادًا إلى عدة أدلة شرعية وأحكام فقهية:

أ. النهي عن بيع ما لا يملك الإنسان

يستدل المانعون بحديث النبي ﷺ:

"لا تبع ما ليس عندك" (رواه الترمذي وأبو داود والنسائي).
فهذا الحديث يدل على حرمة بيع شيء لا يمتلكه البائع حاليًا، مما ينطبق على بيع الأسهم قبل استلامها.

ب. حديث النهي عن بيع الطعام قبل قبضه

كما استدلوا بحديث النبي ﷺ عندما نهى عن بيع الطعام قبل أن يتم قبضه، حيث قال:

"من ابتاع طعامًا فلا يبعه حتى يستوفيه" (رواه البخاري ومسلم).
وبما أن الطعام من السلع التي لا يجوز بيعها قبل قبضها، فقد قاس بعض الفقهاء الأسهم عليها، واعتبروا أنها تأخذ الحكم نفسه.

ج. الغرر والمخاطرة

يرى المانعون أن بيع الأسهم قبل استلامها يؤدي إلى نوع من الغرر والمخاطرة، لأن المشتري الأول قد لا يتمكن من استلام الأسهم أو قد تحدث مشاكل في التسوية المالية، مما قد يسبب نزاعات بين الأطراف.

د. قرارات المجامع الفقهية

أصدرت هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية والمجمع الفقهي الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي قرارات واضحة بعدم جواز بيع الأسهم قبل استلامها، استنادًا إلى القواعد الشرعية في باب البيوع.


2. رأي المجوزين (جواز البيع بشروط)

على الجانب الآخر، ذهب بعض العلماء والفقهاء المعاصرين إلى جواز بيع الأسهم قبل استلامها بشرط أن يكون المبيع من الأسهم المسجلة والمملوكة للمشتري الأول حتى لو لم تتم عملية التسوية المالية بعد.

أ. الاستدلال بمفهوم القبض الحكمي

يرى هؤلاء العلماء أن القبض في الأسهم يختلف عن القبض في السلع العينية، حيث أن تسجيل الأسهم في حساب المشتري يُعد قبضًا حكميًا، حتى لو لم يتم التسليم الفعلي من الناحية التقنية.

وقد أفتت هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية (AAOIFI) بجواز بيع الأسهم بمجرد تسجيلها باسم المشتري في نظام التداول الإلكتروني، لأن ذلك يُعد نوعًا من القبض الشرعي.

ب. قياس الأسهم على الأموال النقدية

يرى بعض الفقهاء أن الأسهم في العصر الحديث أقرب إلى الأموال النقدية منها إلى السلع العينية، وبالتالي يجوز التصرف فيها بمجرد شرائها، دون الحاجة إلى انتظار التسليم الفعلي كما هو الحال في السلع التقليدية.

ج. الحاجة إلى تسهيل التداول في الأسواق المالية

من الناحية الاقتصادية، يعتبر المجوزون أن منع بيع الأسهم قبل استلامها يؤدي إلى تقييد حركة السوق المالية، مما قد يضر بالمستثمرين ويؤدي إلى تقليل السيولة في الأسواق.


ثالثًا: آراء المجامع الفقهية والهيئات الشرعية

1. مجمع الفقه الإسلامي الدولي

أكد مجمع الفقه الإسلامي الدولي أنه لا يجوز بيع الأسهم قبل استلامها فعليًا، إلا في حالة القبض الحكمي، أي إذا تم تسجيلها في حساب المشتري بشكل رسمي.

2. هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية (AAOIFI)

أجازت الهيئة بيع الأسهم قبل استلامها إذا تم تسجيلها في الحساب، باعتبار أن ذلك يُعد قبضًا حكميًا، وأكدت أن تداول الأسهم يجب أن يكون وفق الضوابط الشرعية.

3. هيئة كبار العلماء في السعودية

أصدرت هيئة كبار العلماء فتوى بعدم جواز بيع الأسهم قبل استلامها، استنادًا إلى قاعدة "لا تبع ما ليس عندك"، ورأت أن ذلك يؤدي إلى وقوع الغرر في المعاملات المالية.

4. دار الإفتاء المصرية

أجازت دار الإفتاء المصرية بيع الأسهم قبل استلامها إذا تم تسجيلها باسم المشتري في نظام التداول الإلكتروني، بشرط أن تكون الأسهم مملوكة للمشتري الأول وليس مجرد عقد شراء غير منفذ.


رابعًا: خلاصة الرأي الشرعي في بيع الأسهم قبل استلامها

بعد استعراض أقوال الفقهاء وآراء المجامع الفقهية، يمكن تلخيص الحكم الشرعي على النحو التالي:

  1. الأصل العام هو عدم الجواز، لأن بيع الأسهم قبل استلامها يدخل في باب بيع ما لا يملك الإنسان، وهو ما يتنافى مع الضوابط الشرعية للبيع.
  2. يمكن الجواز في حالات معينة، إذا تحقق القبض الحكمي من خلال تسجيل الأسهم في الحساب باسم المشتري، حيث اعتبر بعض الفقهاء أن هذا يُعد نوعًا من القبض المعتبر شرعًا.
  3. الاحتياط مطلوب، فمن أراد الالتزام بالضوابط الشرعية بشكل صارم، فعليه الانتظار حتى يتم تسجيل الأسهم في حسابه قبل بيعها.

تُعتبر مسألة بيع الأسهم قبل استلامها من القضايا المعاصرة التي تحتاج إلى دراسة دقيقة من الناحية الشرعية، نظرًا لتطور الأسواق المالية الحديثة. 

وبينما يميل جمهور الفقهاء إلى عدم الجواز، فإن بعض المجامع الفقهية أجازت البيع في حالة تحقق القبض الحكمي.

ولذلك، يُنصح المستثمرون في الأسهم الإسلامية بالتأكد من مطابقة معاملاتهم للضوابط الشرعية، والرجوع إلى الفتاوى المعتبرة، حتى يكون تداولهم في الأسواق المالية حلالًا ومتوافقًا مع الشريعة الإسلامية.

تعليقات
* لن يتم نشر هذا البريد الإلكتروني على الموقع.