قبل الخوض في الحكم الشرعي، لا بد من التعرف على مفهوم بيع الأسهم قبل استلامها، والذي يعني قيام المستثمر ببيع أسهم اشتراها حديثًا، دون أن تتم عملية تحويلها إلى حسابه أو أن يستلمها بشكل فعلي.عادةً، يحدث هذا البيع في الأسواق المالية الحديثة تحت نظام التداول اليومي أو المضاربة السريعة، حيث يشتري المتداول الأسهم ثم يبيعها بسرعة قبل أن يتم تسجيلها رسميًا في حسابه.
يرى جمهور الفقهاء أن بيع الأسهم قبل استلامها لا يجوز شرعًا، وذلك استنادًا إلى عدة أدلة شرعية وأحكام فقهية:
يستدل المانعون بحديث النبي ﷺ:
"لا تبع ما ليس عندك" (رواه الترمذي وأبو داود والنسائي).
فهذا الحديث يدل على حرمة بيع شيء لا يمتلكه البائع حاليًا، مما ينطبق على بيع الأسهم قبل استلامها.
كما استدلوا بحديث النبي ﷺ عندما نهى عن بيع الطعام قبل أن يتم قبضه، حيث قال:
"من ابتاع طعامًا فلا يبعه حتى يستوفيه" (رواه البخاري ومسلم).
وبما أن الطعام من السلع التي لا يجوز بيعها قبل قبضها، فقد قاس بعض الفقهاء الأسهم عليها، واعتبروا أنها تأخذ الحكم نفسه.
يرى المانعون أن بيع الأسهم قبل استلامها يؤدي إلى نوع من الغرر والمخاطرة، لأن المشتري الأول قد لا يتمكن من استلام الأسهم أو قد تحدث مشاكل في التسوية المالية، مما قد يسبب نزاعات بين الأطراف.
أصدرت هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية والمجمع الفقهي الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي قرارات واضحة بعدم جواز بيع الأسهم قبل استلامها، استنادًا إلى القواعد الشرعية في باب البيوع.
على الجانب الآخر، ذهب بعض العلماء والفقهاء المعاصرين إلى جواز بيع الأسهم قبل استلامها بشرط أن يكون المبيع من الأسهم المسجلة والمملوكة للمشتري الأول حتى لو لم تتم عملية التسوية المالية بعد.
يرى هؤلاء العلماء أن القبض في الأسهم يختلف عن القبض في السلع العينية، حيث أن تسجيل الأسهم في حساب المشتري يُعد قبضًا حكميًا، حتى لو لم يتم التسليم الفعلي من الناحية التقنية.
وقد أفتت هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية (AAOIFI) بجواز بيع الأسهم بمجرد تسجيلها باسم المشتري في نظام التداول الإلكتروني، لأن ذلك يُعد نوعًا من القبض الشرعي.
يرى بعض الفقهاء أن الأسهم في العصر الحديث أقرب إلى الأموال النقدية منها إلى السلع العينية، وبالتالي يجوز التصرف فيها بمجرد شرائها، دون الحاجة إلى انتظار التسليم الفعلي كما هو الحال في السلع التقليدية.
من الناحية الاقتصادية، يعتبر المجوزون أن منع بيع الأسهم قبل استلامها يؤدي إلى تقييد حركة السوق المالية، مما قد يضر بالمستثمرين ويؤدي إلى تقليل السيولة في الأسواق.
أكد مجمع الفقه الإسلامي الدولي أنه لا يجوز بيع الأسهم قبل استلامها فعليًا، إلا في حالة القبض الحكمي، أي إذا تم تسجيلها في حساب المشتري بشكل رسمي.
أجازت الهيئة بيع الأسهم قبل استلامها إذا تم تسجيلها في الحساب، باعتبار أن ذلك يُعد قبضًا حكميًا، وأكدت أن تداول الأسهم يجب أن يكون وفق الضوابط الشرعية.
أصدرت هيئة كبار العلماء فتوى بعدم جواز بيع الأسهم قبل استلامها، استنادًا إلى قاعدة "لا تبع ما ليس عندك"، ورأت أن ذلك يؤدي إلى وقوع الغرر في المعاملات المالية.
أجازت دار الإفتاء المصرية بيع الأسهم قبل استلامها إذا تم تسجيلها باسم المشتري في نظام التداول الإلكتروني، بشرط أن تكون الأسهم مملوكة للمشتري الأول وليس مجرد عقد شراء غير منفذ.
بعد استعراض أقوال الفقهاء وآراء المجامع الفقهية، يمكن تلخيص الحكم الشرعي على النحو التالي: